غالبًا ما يهاب الموتَ الجميعُ، مجرد الحديث عنه مُفزع، والشعور به من حولنا مُوجع ومُفجع، لا يرغب في تقبّله أحد، إلا أن الإيمان به أساس الإيمان وركن من أركانه، وسبب في قبول الأعمال، فلا يكتمل إيمان العبد حتى يؤمن أن الموت حق، وأن كل الخلائق تفنى، وقد حثّت الشريعة على ضرورة الإيمان به، وتذكره بالقلب لا الجوارح، وحُسن العمل قبل إتيانه.
خطبة عن الموت المفاجيء قصيرة
الحمد لله رب العالمين، خلق السماوات والأرضين، وأشهد أن نبينا وسيدنا مُحمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، خلقنا فأحسن خلْقنا وأتمّ صورتنا، وأمرنا بالعبادة والتسليم، أما بعد:
أيها الناس يقول الله عز وجل:
” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” [ آل عمران: 185]
فإن كل نفس للموت ذائقة، وكل نفس لربها عائدة، فاعملوا ما شئتم فإننا عائدون.
عباد الله إن الموت إذا قدم أخذ الأرواح، لم ينتظر أن يعمل الإنسان عمل أو يكون على أتم الاستعداد، فاتقوا الله ما استطعتم، وأطيعوه وأحسنوا له.
أرشدنا الله في كتابه العزيز ألا نغتر بالدنيا وزينتها، وأننا لسنا في دار الخلد، وإنما نحن في اختبار، والموعد واللقاء بعلم الله وإلى الله.
عباد الله إن الفوز الحقيقي في النجاة من النار، والفوز بالجنة.
أيها الناس ليت الأمر ينتهي عند الموت، لكنه أهون من ذلك وأشد، لا بُد من النجاة من سؤال القبر، والنجاة من عذابه، ثم البعث والحساب، والوقوف أمام الله فكيف يكون حالنا عند سؤال الله لنا: عبدي لم عصيتي؟ ألم تكن تعلم أني أراك؟
عباد الله لا بُد لنا من ذكر هادم اللذات كما أوصانا رسول الله، فإن العبد إذا تذكر الموت قوّم نفسه وقادها، وامتنع عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، وحرِص على التقرب إلى الله عز وجل بالعبادات والطاعات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
” أكثروا ذكرَ هاذمِ اللَّذاتِ: الموتِ؛ فإنَّه لَم يذْكُرْه أحدٌ في ضيقٍ مِن العَيشِ إلَّا وسَّعَه علَيهِ، ولا ذَكرَه في سَعةٍ إلَّا ضيَّقَها عليهِ”. الراوي : أنس بن مالك وأبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1211
حثّنا النبي صلى الله عليه وسلم على تذكرة القلب بالموت وفواجع الموت، ذلك أن من تذكر أن عظْمه يُبلى وجسده يُمزق هانت عليه الدنيا بشهواتها الزائلة، وعاش زاهدًا في الدنيا ممتنعًا عنها، راغبًا فيما عند الله عز وجل.
عباد الله يقول الله عز وجل:
“كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ” (سورة الرحمن: 27)
فلا داع للحقد والحسد، والغل والضغينة، فكُلنا إلى الله راجعون، وللأرض تاركون، وعند الله عز وجل على كل الأعمال محاسبون.
أيها الناس.. إياكم والجزع من أقدار الله وعدم الصبر عليها وتمني الموت لأجلها، فقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فيما رواه أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال:
” لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي.” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6351 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
فاللهم اجعل لنا الحياة زيادة في كل خير، وأجعل اللهم الموت راحة لنا من كل شر، وأسألك اللهم أن تغفر ذنوبنا وذنوب المسلمين، ولا تقبض أرواحنا إلا وأنت عنا راضٍ.
تحميل خطبة عن الموت والاستعداد للموت PDF
خُطبة عن سكرات الموت
الحمد لله الذي خلق الأرض والسماوات، وغمر بالنعم والأرزاق العباد، والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قد عانى في تبليغ الدعوة ونشر الإسلام، وأرشد أمته ودعا لها بالصلاح والهداية والرشاد.
أشهد ألا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وبعد..
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:
” وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ” [ ق: 19]
فإن للموت سكرات، لو كانت هي عذاب الإنسان على ما اقترفه من ذنوب لنال من الجزاء أشده، فإن سكرات الموت على الإنسان لأشد من ضرب السيف، والنشر بالمناشير، والقرض بالمقاريض.
عبادة الله لا ينجي من سكرات الموت إلا العمل الصالح، فمن كان عمله في الدنيا خير.. أُخذت روحه من جسده في لمح البصر، أما صاحب الذنب ومقترف الكبائر فإنه ينال من سكرات الموت ما ينال، فما حال الكافر حينئذٍ.
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
” إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ – أوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، يَشُكُّ عُمَرُ – فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في المَاءِ، فَيَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، ويقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يقولُ: في الرَّفِيقِ الأعْلَى حتَّى قُبِضَ ومَالَتْ يَدُهُ.” الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6510 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
كان هذا حال خير المرسلين، وخاتم النبيين، فقد عانى من سكرات الموت وأخذ يدعو ويقول: اللهم في الرفيق الأعلى، فكيف هو حالنا مع سكرات الموت!
عباد الله.. أعدوا ما استطعتم من أعمال صالحة، وتوبة خالصة، وعملًا مُبتغًا به وجه الله، فما الدنيا إلا فانية، والإنسان فيها ضعيف إذا ما حارب هواه شيطانه.
خطبة عن الموت والاستعداد له
الحمد لله الذي في نِعمه غارقين، وفي كل ضيق وحزن إليه لاجئين، وفي قربه وحبه متوسلين، وبالجنة له سائلين.. اللهم صلى على سيدنا محمد إمام المرسلين، وخاتم النبيين المبعوث رحمة للعالمين.
أيها الناس إن القلوب إذا استسلمت للموت وآمنت به، وعلمت وقوعه لا بُد لها أن تستعد للقائه كذلك، ذلك أنه يأتي بغتة، فلا تعلم نفس متى وأين يدركها.
قال الله عز وجل:
” إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [ سورة لقمان: 34]
لأجل ذلك لا بُد أن يعمل الإنسان لآخرته، حتى يلقى ربه وهو عنه راضٍ، توافيه المنية على حُسن خاتمة، فيعظم أجره وتحسن عاقبته.
عباد الله.. ما أشد وجع الندم بعد فوات الأوان، وأن تأتي على المرء لحظة يتمنى فيها العودة للحياة فيعمل من الأعمال الصالحة ما يكون سببًا في دخوله الجنة.
يقول الله عز وجل:
” حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ”) (سورة المؤمنون: 99 -100)
عباد الله.. إن أتم استعداد للموت يكون بالمحافظة على ما افترضه الله عز وجل، والابتعاد عما نهى عنه، والتقرب إليه بالعبادات، والإخلاص إليه في العبادة.
كذلك فإن أكثر ما يعد استعدادًا للموت بتذكر الموت بقلبه في كل الأوقات، ويعمل لذلك ما استطاع إليه سبيلًا.
أيها الناس.. توبوا إلى الله توبة نصوحا، فما بيننا وبين الموت إلى القليل، وإن العمر ليفنى والعبد في الغفلة، فتوبوا إلى الله يغفر لكم الذنوب ويتجاوز عن الآثام والسيئات، ويبدل أعمالكم حسنات، وكفاه الله من تعاطي الدناءات.
إن الله عز وجل يقول:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.” ( سورة التحريم: 8)
عباد الله.. إن من الاستعداد للموت كذلك أن تُحسن الظن به، تعلم أن الله لن يضيعك.. أنه سيرحمك ويغفر لك باسمه الرحمن، هذه كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذ روى عن جابر بن عبد الله فقال:
” سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. الراوي: جابر بن عبد الله | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2877 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] | التخريج: أخرجه مسلم (2877)
لما سُئل أحد الصحابة عن الموت قال: “إن الموت كغصنٍ كثير الشوك، أُدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبه رجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ” فاعمل لهذا اليوم واستعد له كامل الاستعداد.