هل يجوز النوم على جنابة؟ وما الطريقة للإغتسال ؟ تلك الأسئلة تدور في بال كافة المسلمين باعتبارها من الأمور التي يعتقد البعض بحُرمانيتها أو كراهيتها، حثّنا الدين الإسلامي الحنيف على أهمية الطهارة في الكثير من النصوص الشرعية الموجودة في القرآن والسنة النبوية.
ومن أجل ذلك اهتمت الأمة الإسلامية بالبحث عن الأحكام المُفصلة بشأن هذا الأمر بجميع زواياه، وبالتالي عمل مجمع البحوث الإسلامية على توضيح بعض الأمور التي يجب على المُسلم القيام بها حتى يكون نظيفًا في بدنه ولباسه خاصة بعد خُلوه من الجِماع، ومن ثمّ يتسنى له القيام بأمور العبادة على أكمل وجه.
هل النوم على جنابة يورث الفقر
يُعتبر النوم على جنابة من الأمور التي يُكثر الناس من السؤال عنها وخاصةً في فصل الشتاء، وقد يظُن البعض أنه مُحرم أو مكروه.
بالإضافة إلي تناول الطعام والشراب في ذلك الوقت، ومن الجدير بالذكر القول بعدم صحة الأقوال المُنتشرة بين الناس من أن الملائكة تلعن الجُنب في كل خطوة.
أو أنها تلعنه حتى يقوم بالاغتسال، وكذلك أن كل شعرة فيه يوجد تحتها شيطان، وما إلي ذلك من الأقاويل السائدة في المُجتمع، ويُمكننا من خلال السطور القادمة التوصل إلي الحُكم المٌفصل حول هذا الأمر وإيضاح جوانبه بشيء من التفصيل:
يُعد النوم على جنابة من الأمور الجائزة، وذلك لِمَا ورد عن عبد الله بن أبي قيس أنّه قال: “سألت أمّ المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- فقلت: ” كيفَ كانَ يَصْنَعُ في الجَنَابَةِ؟ أكانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أنْ يَنَامَ؟ أمْ يَنَامُ قَبْلَ أنْ يَغْتَسِلَ؟ قالَتْ: كُلُّ ذلكَ قدْ كانَ يَفْعَلُ، رُبَّما اغْتَسَلَ فَنَامَ، ورُبَّما تَوَضَّأَ فَنَامَ، ورُبَّما تَوَضَّأَ فَنَامَ”،
فعمل ديننا الإسلامي على تسهيل الأمور للجميع، حيثُ إن في هذا الحديث دلالة على إمكانية النوم للجُنب دون الحاجة إلي الاغتسال والتطهُر.
وذلك تمثُلًا برسول الله باعتباره كان يترك الاغتسال من الجنابة قبل النوم في الكثير من الأوقات، وذلك بهدف التأكيد للأمة الإسلامية جواز هذا الإمر لرفع الحرج عنهم.
كما أكدّ مجمع البحوث الإسلامية في فتواه على جواز نوم الإنسان أو تناوله للطعام والشراب وهو على جنابة، ولكن على الرغم من ذلك فقد أكدوا على الاغتسال بعد الجماع وفقًا للسُنة.
وأنّه من الأولّى ألا يقوم المُسلم بالأكل أو الشرب أو النوم أو القيام بأي عمل إلا بعد أن يقوم بغسل فرجه ومن ثمّ يتوضأ وضوء الصلاة المُعتاد، وذلك لِمَا صح من عائشة –رضي الله عنها- قولها:
” كان النبي –صلّى الله عليه وسلّم- إذا أراد أن ينام وهو جُنب غسل فرجه، وتوضأ للصلاة”، بالإضافة إلي ما ورد عن عمار بن ياسر من أن النبي –صلّى الله عليم وسلّم- أجاز الوضوء للجُنب إذا أكل أو شرب أو نام.
لا يفوتك أيضًا: حُكم الاحتفال باليوم الوطني هيئة كبار العُلماء
كيفية الغُسل من الجنابة
بعد عرضنا للحُكم المُتعلق بالجنابة من خلال حديثنا عن هل يجوز النوم على جنابة يقتضي بنا الإشارة إلي كيفية الغُسل على أكمل وجه، ومن المعلوم أن للغُسل صفتان يُمكن إيضاحهم من خلال السطور القادمة:
- الغُسل ذو الصفة المُجزئة، والذي تقتضي بقيام المُسلم بعمل الواجبات فقط في غُسله، وذلك من خلال تقديم النية للغُسل، ومن ثَمّ القيام بتعميم الماء على جميع الجسد، وكذلك القيام بالمضمضة والاستنشاق، وبالتالي يتم احتساب صحة الغُسل، ولا بأس من القيام بأمور العبادة.
- الغُسل ذو الصفة الكاملة، والذي يقتضي بقيام المُسلم بعمل الواجبات والسُنن أيضّا، ويتم ذلك من خلال قيام الشخص بتقديم النية والتسمية كشروط أساسية، ومن ثَمّ يقوم بالشروع في غسل الكفين ثلاث مرات.
وكذلك غيل الفرج ثلاث مرات مع ضرورة القيام بذلك باليد اليُسرى، وبعد ذلك يقوم بغسلها مع تدليكها بشدّة، وعندما ينتهي من تلك الأمور يتوضأ الوضوء المعروف للصلاة، ومن بعد يقوم بغسل القدمين، ثُمّ يقوم بتعميم الماء في أصول الشعر باستخدام الأصابع ثلاث مرات، وفي النهاية يقوم بتعميم الماء على سائر البدن مرّة واحدة فقط.
مع ضرورة العلم بعدم اعتبار العُلماء للنية في الغُسل بأنّها رُكنًا من الأركان اللازمة للطهارة، وقاموا بالاستشهاد
بقول النبي –صلّى الله عليه وسلّم- : “مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا”.
ما يُستحب للجُنب قبل النوم
يُمكننا في إطار حديثنا عن هل يجوز النوم على جنابة القول باستحباب الوضوء قبل النوم في حالة عدم الاغتسال من الجنابة، حيثُ أن النوم على جنابة بدون وضوء أمر مكروه، وقد قام العُلماء بتوضيح كون هذه الكراهة تنزيهية بمعنى أن المُسلم لا يأثم بتركه للوضوء.
ولكن يكون من المُحبب أن يُشرع في الوضوء قبل خلوده إلي النوم، ولقد تم النص على هذا الحُكم في العديد من الأحاديث النبوية، والتي من بينها:
ما ورد عن عائشة –رضي الله عنها- قال أبو سلمة: سألت عائشة: ” أَكانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَرْقُدُ وهو جُنُبٌ؟ قالَتْ: نَعَمْ ويَتَوَضَّأُ”، وفي رواية أخرى: ” كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وهو جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ
كما ورد عن عائشة –رضي الله عنها-: ” أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ، وهو جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، قَبْلَ أنْ يَنَامَ”
بالإضافة إلي ما صح عن عبد الله بن عمر أنه قال:” ذَكَرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لِرَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تَوَضَّأْ واغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ”.
هل يجوز النوم على جنابة والصوم
استكمالًا لحديثنا حول هل يجوز النوم على جنابة يقتضي بنا التطرُق لحُكم للنوم على الجنابة حال كون المُسلم صائمًا، وهذا ما سنُشير إليه من خلال ما يأتي:
وجب العلم بجواز النوم للمُسلم حال كونه صائمًا، حيثُ ذُكر عن الكثير من العُلماء أن الطهارة من الجنابة لا تُعد شرطًا حتى يكون الصيام صحيحًا، ولكن ينبغي على المُسلم الحذر من النوم عن صلاة الفجر مع تركه للاغتسال حتى طلوع الشمس أو بعدها، فهو حينئذٍ يأثم لتركه الصلاة، أمّا بشأن الصيام فهو صحيح والله أعلى وأعلم.
ورد عن أم المؤمنين عائشة وأم سلمة –رضي الله عنهما- : ” أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ مِن أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ”،
فإن هذا الحديث يُشير إلي فعل نبينا الكريم، وتوجب علينا الاقتداء به فهو خير القدوة للأمة الإسلامية، وفي شأن تركه للاغتسال لِمَا بعد الفجر وإتمامه للصيام أكبر دليل على كون هذا الأمر الذي نحن بصدده جائز شرعًا ومقبول عند الله تعالى.
لا يفوتك أيضًا: من هو النبي المدفون في الجزائر
أضرار النوم على جنابة
استكمالًا لحديثنا حول هل يجوز النوم على جنابة وجب علينا ذكر الأضرار التي يُمكن أن تعود علينا إثر ذلك الأمر، وهي:
ما ذُكر عن الشيخ محمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء قوله بأن تأخير الغُسل من الجنابة وما يترتب عليه من تأخير الصلاة عن وقتها، فهو حرام شرعًا، بالإضافة إلي استحباب الإسراع إلي الغُسل بغية عدم نفور ملائكة الرحمة والبركة من المكان الذي يتم التواجد به،
وأقر بذلك الأمر وفقًا لما ورد عن علي بن أبي طالب أن النبي –صلّى الله عليه وسلّم- قال: “لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة ولا كلب ولا جُنب”.
في خِتَام حديثنا حول هل يجوز النوم على جنابة يجدُر بنا التنبيه لأهمية البقاء على طهارة في جميع الأوقات، حتى يكون بالمُستطاع القيام بأمور العبادة دون وجود أي عائق يمنع من ذلك.