الصلاة هي عماد الدين، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فلا يجوز التغافل عنها أو تركها؛ لكونها العهد الفاصل بين المؤمنين والكُفار، ولكن هناك العديد من الأحكام الفقهية المُتعلقة بالجمع بين أكثر من صلاة، أو النوم دون أداء الفرائض كاملة.
هل يجوز جمع الصلوات بسبب النوم ؟
يجوز جمع الصلاة بسبب النوم في حال أن المُسلم كان يُعاني من مشقة شديدة جدًا تمنعه من الحركة وبذل أي جُهد إن كان في ذلك ألمًا له، ولكن بشرط ألا يكون قد اعتاد على ذلك الأمر مُتعمدًا.
استنادًا إلى حديث عبد الله بن عباس حينما قال أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين وهو ليس على سفر أو في غير مطر، عن ابن عبَّاسٍ
“جمعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ الظُّهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ فقيلَ لابنِ عبَّاسٍ ما أرادَ إلى ذلِك قالَ أرادَ أن لا يحرجَ أمَّتَه”. “الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 1211 | خلاصة حكم المحدث : صحيح”
كان يسعى النبي صلى الله عليه وسلم نحو التخفيف على أمه، فلم يكُن يومًا يرغب في أن يشق عليهم في أي أمر، وهو ما جعله جمع بين صلاتي الظهر والعصر دون وجود الشروط المعروفة للجمع بين الصلوات.
لكن حينما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، أوضح أنه لا يود أن يرى أحد مشقة في الصلاة، فالدين الإسلامي يُسرًا وليس عُسر، ولا يُريد أن يُحرج أحدًا قد فعل ذلك من قبل.
لذا فالحُكم جائز، ولكن لا يجب أن يتمادى المُسلم في فعل ذلك؛ حيث إن فضل تأدية الصلاة في مواعيدها كبير جدًا، وجميعنا نسعى للفوز بالجنة في الآخرة، وإن قُمنا بالسير على خُطى النبي، وعلى ما ورد في كتاب الله تعالى لن نضل أبدًا.
لا يفوتك أيضًا: هل المسيحي الشهيد يدخل الجنة ؟ وهل يجوز الترحُم عليه
حكم من نام عن الصلاة متعمدًا
إن ترك الصلاة عن عمد يُعتبر إثمًا ومن أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، فالصلاة تُعد ركًنًا أساسي من أركان الإسلام، وبالتالي لا يجوز أبدًا تركها أو التهاون بها، ومن الجدير بالذكر أن حُكم النوم وترك الصلاة له حالتين.
الحالة الأولى أن المُسلم غير مُتعمد النوم وترك الصلاة، ولكن غلبه النوم دون إرادة منه، أو أنه كان لا يعلم أنه لن يستيقظ في وقت الصلاة، ففي هذه الحالة لا شيء عليه وعليه أن يُقضيها حينما يستيقظ.
ذلك بالاستناد إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم
” ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظةِ فإذا سها أحدُكم عن صلاةٍ فلْيُصَلِّها حين يذكرُها ومن الغدِ للوقتِ” “الراوي : [أبو قتادة الحارث بن ربعي] | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم: 437 | خلاصة حكم المحدث : صحيح”
ذلك بالاستناد إلى قوله تعالى:
“رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا” (سورة البقرة:286).
أما الحالة الثانية هي أن يكون المُسلم مُتعمدًا تأخير الصلاة، وفي هذه الحالة فلا يجوز، ومن يفعل ذلك سوف يلقى عذاب أليم، وفقًا لقول الله تعالى:
“فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ” (الماعون 4- 5 ).
كما أن الأصل في الصلاة أن يتم تأديها في وقتها، ويُمكن الاستناد إلى قول الله تعالى:
“إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” (النساء: 103).
توعد الله تعالى لتارك الصلاة أو أي متهاون فيها، وذلك بالاستناد إلى قوله تعالى:
“فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا” (مريم:59).
لا يفوتك أيضًا: هل شرب الزعفران من محظورات الإحرام
شروط الجمع بين الصلوات
في سياق الحديث حول هل يجوز جمع الصلوات بسبب النوم ؟ ليس من الطبيعي أن يقوم المُسلم بالجمع بين الخمس صلوات وتأديتهم دُفعةً واحدة، وإن فعل ذلك مُتعمدًا قد لا تُقبل منه، فالجمع بين الصلوات له عِدة شروط هامة لا بُد من استيفاؤها.
- ألا يكون السفر بغرض فعل معصية مثل سفر المرأة الناشز، أو قاطعي الطريق، وغيرها من المعاصي.
- لا بُد أن يكون السفر ينتج عنه مفارقة محل الإقامة.
- أن تكون مسافة السفر وفقًا إلى المُحددة شرعًا، والتي تبلغ 83.5 كيلو متر.
- قصد مكان مُعين للسفر، أي لا يُقبل جمع صلاتين لشخص هائم لا يعرف إلى أين يتوجه.
- عُذر المطر يُبيح للمُسلم الجمع بين الصلوات وهو ما ثبُت في السنة النبوية المطهرة، وذلك بالاستناد إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ) الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 1211 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
فضل تأدية الصلاة في وقتها
هناك العديد من الفضائل التي يحظى بها العبد لتأديته الصلاة في وقتها، وهو ما يجعل تركها أو التهاون بها يجعل العبد يأثم إثمٍ كبيرًا، ولا ينقص الجمع بين الصلوات إذا استوفت شروطها من ذلك.
1- أحب الأعمال إلى الله تعالى
الصلاة في وقتها واحدة من أفضل الأشياء التي يُمكن للعبد أن ينال منها خير كثير ومحبة الله تعالى، وهو ما ثُبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:
(سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ، قالَ: حدَّثَني بهِنَّ، ولَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزادَنِي).
الراوي : عبدالله بن مسعود وأنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 1095 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
2- اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم
كان النبي يحرص على تأدية الصلاة في مواعيدها، وكان الصحابة حريصون على الاقتداء به، ونحن الأمة الإسلامية علينا أن نقتدي بحبيبنا ورسولنا الكريم في كل شيء فعلًا وقولًا.
3- امتثال لأوامر الله تعالى
أمرنا الله تعالى بتأدية الصلاة في مواعيدها، وذلك من خلال آيات قرآنية كثيرة وردت في القرآن الكريم، قال تعالى: “حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ” (سورة البقرة: 238)[/ref]، وقوله تعالى: “أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ” (سورة الإسراء: 78).
4- الفوز بالجنة في الآخرة
إن الله عز وجل وعد المؤمنين الذين يحافظون على صلواتهم في مواعيدها بالجنة ونعيمها، ويُمكن الاستدلال على ذلك مما ورد عن أو الدراداء، وما أخرجه الإمام أحمد عن حنظلة الكاتب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(مَن حافظ على الصلوات الخمس ركوعهنَّ، وسجودهنَّ، ومواقيتهنَّ، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة). الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الدمياطي | المصدر : المتجر الرابح | الصفحة أو الرقم : 102 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
5- الوفاء بعهد الله عز وجل
إن الصلاة هي العهد بين المُسلمين وبين الله تعالى، وذلك وفقًا إلى ما أخرج أبو داود من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(قال الله عز وجل: “إني فرضت على أمَّتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدًا أنه من يحافظ عليهن لوقتهنَّ، أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن، فلا عهد له عندي). الراوي : أبو قتادة الحارث بن ربعي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 1160 | خلاصة حكم المحدث : حسن
لا يفوتك أيضًا: هل يجوز إخراج زكاة الفطر على الأقارب
أثر التهاون وترك الصلاة
إن الصلاة هي أول ما يُسئل عنه العبد، فإن صلحت فإن باقي عمله قد صلح، وإن لم تصلح فلن يُنظر إلى كتابه، والتهاون في تأدية الصلاة والتغافل عنها له أثرًا سلبيًا كبيرًا على المُسلم سواء في الدنيا أو الآخر.
- واحدة من أكبر الكبائر.
- لا ينظر الله في كتاب تارك الصلاة.
- ينُم عن ضعف إيمان المُسلم وابتعاده عن طريق الحق.
- يخسر المسلم دنياه وآخرته بتركه للصلاة، ففي الدنيا يقوم بارتكاب المعاصي والفواحش ولا يقترب من طريق الله عز وجل، وفي الآخرة لا يُنظر إلى كتابه ويلقى عذابًا أليمًا.
- التكاسل عن تأدية الصلاة واحدة من صفات المنافقين، ومنها يلقى المُسلم سوء الجزاء وعواقب فعله.
- سوء الخاتمة ويُحشر من يتهاون في صلاته وهو أعمى.
- عدم التوفيق في الحياة.
إن الدين الإسلام هو دين يُسر، وهناك العديد من الأحكام الفقهية التي تُبيح الجمع بين صلاتين ولكن وفقًا إلى شروط مُعينة، ومن أهمها ألا يكون الجمع عن عَمد، وألا يتكرر الأمر.