كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُلقب أصحابه أحيانًا بألقاب عِدة تُعبر عنهم، فمنهم من سماه الله -عز وجل- وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أطلق جمع من الناس عليه لقب لسبب ما، فقد أطلق الفاروق على عمر -رضي الله عنه- لتفريقه بين الحق والباطل، ولُقب سيدنا محمد بالصادق الأمين من قبل المشركين لصدقه وأمانته.
من هو ترجمان القرآن وحبر الأمة ؟
هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن عباس، واسمه: “ عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ.”
- كنيته: أبو العباس.
- إخوته: له تسعة إخوة من أبيه، هم: “معبد، وقثم، وعبد الرحمن، وكثير، والفضل، وعبيد الله، والحارث، وعون وتمام”.
- أُمّه: “لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالي.”
- كما له ثلاث أخوات: هن، صفية، أميمة، أم كلثوم.
- ولد قبل الهجرة بنحو 3 سنوات، وقيل بل خمس سنوات.
- كان يلقب بالعديد من الألقاب منها: الحبر والبحر؛ نظرًا لحدة فهمه، وقوة علمه.
- هو حبر الأمة وفقيهها، وهو ترجمان القرآن، فُقِّه في الدين، وعلم التأويل، وكان مُحنّك بريق النبوة.
لازم عبد الله بن عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى دعا له النبي، فقد ورد: ” أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ الخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ له وَضُوءً قالَ: مَن وضَعَ هذا؟ فَأُخْبِرَ فَقالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ”. الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 143 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” ضَمَّنِي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى صَدْرِهِ، وقالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ”. الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 3756 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
لا يفوتك أيضًا: من هو أول من جمع القرآن الكريم ؟
نشأة عبد الله بن عباس
وُلد في مكة في شعب “أبي طالب“، قبل الهجرة بثلاث أو خمس سنوات، كان مهاجرًا مع أبيه “العباس بن عبد المطلب” قبيل فتح مكة.
فلما لقيا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجحفة مُتجهًا لفتح مكة ذهبا معه، فشهدا معه الكثير من الغزوات والفتوحات: “فتح مكة”، ثم “غزوة حنين”، و”الطائف”، اختُلِف في سنة مولده، فورد في ذلك عدة روايات.
وُلِد سنة 622، وهذا ما أيّده سعيد بن جبير، واستشهد برواية عن ابن عباس أنه قال: ” تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَنَا ابنُ عَشْرِ سِنِينَ، وقدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ”. الراوي: سعيد بن جبير | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 5035 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
- قيل: إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات أي عام 619، واستشهدوا على ذلك بقول ابن عباس رضي الله عنه: “ ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين، ونحن في الشعب”.
إسلام عبد الله بن عباس
على الرغم من الجهل بزمن إسلامه، إلا أنه أسلم قبل فتح مكة بزمن طويل، فقد أسلم هو أمه أم الفضل، إلا أنه لم يهاجر مع أمه إلى المدينة المنورة، بل كان يتلوا قول الله عز وجل: ” إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا” ( سورة النساء: 98) ثم يقول: ” كنت أنا وأمي ممن عذر الله”
فهاجروا بعدما أعلنت والدة العباس بن عبد المطلب إسلامه، وكان مهاجرًا قبل فتح مكة، وكان ذلك يوم الجمعة 20 رمضان، في السنة الثامنة من الهجرة.
بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- عمه العباس، وكذا بايع ابن العباس، وكان صغيرًا لم يبلغ الحُلُم، ويستدل على ذلك قول محمد بن علي بن الحسين:
“ أن النبي ﷺ بايع الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبقلوا، ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيرًا إلا منّا.”
لا يفوتك أيضًا: ما هي أسماء روايات القرآن الكريم وما هي أفضل رواية للقرآن؟
ملازمة ابن عباس رسول الله
كان بن عباس ملازمًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ هاجر، فأخذ عنه الكثير، وكانت له مكانة كبيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل قرابته بالرسول كان لها أثر في ذلك، فلم يكن ابن عم رسول الله فحسب بل كانت خالته ميمونة بنت الحارث زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان يمكث في بيت رسول الله أيامًا في حجرة خالته، ونقل كثير من أفعال وأقوال رسول الله للصحابة.
كان قائمًا على خدمة رسول الله، وصاحبه نحو 30 شهرًا، يقال إنه في يوم أحضر وضوءً لرسول الله، فدعا له.
فقد روى عبد الله بن عباس ذلك فقال: ” كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بيتِ ميمونةَ فوضَعْتُ له وَضوءً مِنَ الليلِ فقالتْ له ميمونةُ: وضَع لك هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ فقال: اللهم فقِّهْهُ في الدينِ وعلِّمْهُ التأويلَ”. الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم: 5/41 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
ويذكر أن ابن عباس رأى سيدنا جبريل مرتين في بيت رسول الله، وهذا ما رواه بن عباس، فقد ورد أنه قال: “ رأيت جبريل مرتين، ودعا لي بالحكمة مرتين”.
كما أنه لازم رسول الله حال مرضه واحتضاره وموته، ووصف للصحابة الأيام الأخيرة لرسول الله ووفاته، وقيل إن رسول الله توفى وعمر ابن عباس 13 سنة، وقيل 15، ويرجع ذلك الاختلاف الوارد في سنة مولده.
لا يفوتك أيضًا: أجمل آيات القرآن الكريم مكتوبة مؤثرة وقريبة من القلب
عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة وفقيهها
كان له رضي الله عنه مجلس كبير في المدينة، يأته جمع كبير لطلب العلم منه، وشهد له بالحكمة والفصاحة في الخطابة، من ذلك مدح صعصعة بن صوحان له إذ قال: “ إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف. وترك المراء، ومقارنة اللئيم، وما يعتذر منه.”
كما كان يقوم بالفتوى في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما، فلما مات هو والعبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي.
كان عمر وعثمان يستشيرانِه في كثير من المسائل، فكان من فقهاء الصحابة العظماء، وكان مرجعًا للصحابة فيما اختلفوا فيه في الفقه، كان مجاهد يقول: “ ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس.”
كان منهجه في الفقه أنه يأخذ بكتاب الله عز وجل فإن لم يجد فبسنة رسول الله، فإن لم يجد أخذ برأي أبي بكر، ثم عمر، ثم يأخذ برأيه، له العديد من الآراء الفقهية في كافة أبواب الفقه المختلفة، بيد أنه كان يأخذ بالرخص إذ وُجدت بسبب محبة رسول الله الأخذ بها.
كما كان من أشهر مفسري القرآن الكريم بين الصحابة، على الرغم من كونه الأصغر سنًا بينهم، لأجل ذلك كان يُلقب بـ ترجمان القرآن، وفي ذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه: “ نعم ترجمان القرآن وحبر الأمة عبد الله بن عباس” فكان يتقن تفسير القرآن كله، حتى أن مجاهد كان يسأله عن التفسير ويكتب ما يقول في لوحة.
لعل ذلك بفضل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، إذ استجاب الله لدعائه وعلمه الحكمة وفقّهه في الدين، وكذا التفسير.
لم يتوقف الأمر على ذلك فحسب، بل كان من أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بفضل ملازمته له، فبلغ عدد الروايات التي رواها من الأحاديث نحو 1660 حديثًا.
بالرغم من ملازمته لرسول الله ثلاثون شهرًا، إلا أنه طلب الحديث بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، ولازم كبار الصحابة وأمهات المؤمنين يسألهم عن الحديث، لذا كان عدد الحديث الذي يرويه عن الرسول مباشرة قليلًا، فأغلب أحاديثه عن الصحابة.
تُوفّي ابن عباس عام 68 هـ بالطائف، عن 71 سنة، وقيل إنه حين دفنه جاء طائرًا أبيضًا لم يُر مثله من قبل دخل في أكفانه حتى دُفن معه.